فقد دل على ذلك نصوص كثيرة، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية، وسأكتفي في هذا المبحث بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة على المسألة، من ذلك قول الله تعالى :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ [(٥٧) سورة الكهف]، وقوله تعالى :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [(٤٦) سورة الحج ]، وقوله تعالى :﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾ [(٤) سورة الأحزاب]
وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها وإنما المقصود التذكير بأن آلة تدبر القرآن وفهمه هو القلب وما يترتب على ذلك من أحكام مما يأتي الحديث عنه.
وأما الوجه الثاني: القلب بيد الله وحده لا شريك له يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء بحكمته وعلمه سبحانه ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ﴾(٢٤) سورة الأنفال]، وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل من سلكها وفق ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المطلب التالي.
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى، وأن الله يحول بين المرء وقلبه فليست العبرة بالطريقة والكيفية بل الفتح من الله وحده، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر فمتى أعطاك الله فهم القرآن وفتح لك معانيه فاحمد الله تعالى وأساله المزيد، وانسب هذه النعمة إليه وحده، اعترف بها ظاهرا وباطنا.
المطلب الثاني : حب القلب للقرآن : وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى :…علاقة حب القرآن بالتدبر
من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به، واشتاق إليه، وشغف به. وانقطع عما سواه.