هلاك القبط، فلا إجماع على أنها لم تكن بمصر، نعم اليهود لا يقولون باستقرارهم في مصر بعد هلاك القبط وعليه كثير منا، وحينئذ يقال : إن عدم خروج موسى عليه السلام من التيه غير مسلم، وكذلك اقتضاء ذلك الغيبة أياما لجواز أن يكون ذلك على وجه خارق للعادة كالتيه الذي وقعوا فيه وكنتق الجبل عليهم، وغير ذلك من الخوارق التي وقعت فيهم، وقد يقال : يجوز أن يكون عليه السلام خرج وغاب أياما لكن لم يعلموا أنه عليه السلام ذهب لهذا الأمر وظنوا أنه ذهب يناجي ويتعبد ولم يوقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع لعلمه بقصور فهمهم فخاف من حط قدره عندهم فهم القائلون ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) و (أرنا الله جهرة )وأوصى فتاه بكتم ذلك عنهم أيضا، ويجوز أن يكون غاب عليه السلام وعلموا حقيقة غيبته لكن لم يتناقلوها جيلا بعد جيل لتوهم أن فيها شيئا مما يحط من قدره الشريف عليه السلام فلا زالت نقلتها تقلّ حتى هلكوا في وقت بختنصر كما هلك اكثر حملة التوراة، ويجوز أن يكون بقي منهم اقل قليل إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام فتواصوا على كتمها وإنكارها ليوقعوا الشك في قلوب ضعفاء المسلمين ثم هلك ذلك القليل ولم تنقل عنه، ولا يخفى أن باب الاحتمال واسع، وبالجملة لا يبالى بإنكارهم بعد جواز الوقوع عقلا وإخبار الله تعالى به ورسوله عليه الصلاة والسلام فإن الآية ظاهرة في ذلك، ويقرب من هذا الإنكار إنكار النصارى تكلم عيسى عليه السلام في المهد وقد قدمنا انه لا يلتفت إليه بعد إخبار الله تعالى به، فعليك بكتاب الله تعالى ودع عنك الوساوس." انتهى كلام الألوسي(١) وهو كلام نفيس جدا فرحمة الله تعالى عليه
...
المبحث الخامس: تعدي الكاتب على علماء الأمة

(١) روح المعاني ١٥/٣١٠-٣١١


الصفحة التالية
Icon