والإلحاد في أسماء الله: الميل بها عما تدل عليه إلى أمور لا تدل عليها، ومنه سمي اللحد في القبر لأنه في ناحيته. قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (( والإلحاد يكون بثلاثة أوجه: (أحدها): بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها أوثانهم، فاشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان، قاله ابن عباس وقتادة، (الثاني): بالزيادة فيها، (الثالث): بالنقصان منها )).
وقال: (( ومعنى الزيادة في الأسماء التشبيه، والنقصان التعطيل، فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به، ولذلك قال أهل الحق: إن ديننا طريق بين طريقين، لا بتشبيه ولا بتعطيل ))، فالمشبهة أثبتوا وشبهوا، والمعطلة نزهوا وعطلوا، وأهل السنّة جمعوا بين الحسنيين، وسلموا من الإساءتين، فأثبتوا ونزهوا، كما قال الله - عز وجل - :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ فبإثباتهم سلموا من التعطيل، وبتنزيههم سلموا من التشبيه والتمثيل.
ـ قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: ١٩٩ ـ ٢٠٠].
قال القرطبي في تفسيره: (( هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات، فقوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾ دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، ودخل في قوله: ﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، وفي قوله: ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، والأفعال الرشيدة )).


الصفحة التالية
Icon