وقوله: ﴿ إِن اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ هو مثل قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: ٥٣]، قال ابن كثير في تفسير آية الأنفال: (( يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغيّر نعمة أنعمها على أحد إلاّ بسبب ذنب ارتكبه )). يبيّن ذلك ويوضحه قول الله - عز وجل - :﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: ١١٢]، وقوله: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: ٣٠].
وقوله: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾، المعنى: أن ما كتبه الله وقضاه لابد من وقوعه، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
والإرادة في الآية: إرادة كونية قدَرية، لابد من وقوع المراد، كما قال الله - عز وجل - :﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: ٨٢].
سورة إبراهيم
ـ قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: ٧].
وعد الله في هذه الآية من شكر نعمه بالزيادة فيها، وأوعد من كفرها بالعذاب الشديد. وشكر النعم سبب ثباتها وزيادتها، وكفرها سبب زوالها وذهابها، كما قيل: النعم إذا شُكرت قرَّت، وإذا كُفرت فرَّت.


الصفحة التالية
Icon