أخبر الله - عز وجل - في هذه الآية أنه بعث في كل أمّة من الأمم رسولاً من رسله الكرام للدعوة إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة كل ما سواه، وهذا هو معنى (( لا إله إلاّ الله ))؛ فإنها مشتملة على نفي عام، وهو نفي العبادة عن كل ما سوى الله، وإثبات خاص، وهو إثباتها لله وحده لا شريك له، وفي الآية إخباره تعالى بأن هذه الأمم منها من وفقه الله للهداية، فآمن بالرسل واستجاب لدعوتهم، ومنهم من كفر بما جاءت به الرسل، فبقي في الضلالة.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، وقوله: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: ٢].
وما جاء في هذه الآية من إرسال الرسل في كل أمّة، لا يُشكل عليه ما جاء في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [النساء: ١٦٣]، وقول أهل الموقف يوم القيامة لنوح: (( يا نوح إنك أنت أوّل الرسل إلى أهل الأرض )) رواه البخاري (٤٧١٢) ومسلم (٤٨٠). لأن إرسال نوح ومَن بعده حصل بعد وجود الشرك والخروج عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بخلاف ما كان قبل نوح، فإن الناس كانوا على الفطرة، والرسل جاؤوا لتقرير ما فطر الله عليه الناس من التوحيد، وانظر كلام شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ~ في أضواء البيان عند قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [البقرة: ٢٥٣].
ـ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ٩٠].


الصفحة التالية
Icon