وقال: (( وهذه الآية الكريمة أجمل الله ـ جلّ وعلا ـ فيها جميع ما في القرآن من الهدي إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم، لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خير الدنيا والآخرة، ولكن إن شاء الله تعالى سنذكر جملاً وافرة في جهات مختلفة كثيرة من هدي القرآن للطريق التي هي أقوم بياناً لبعض ما أشارت إليه الآية الكريمة، تنبيها ببعضه على كله من المسائل العظام، والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار، وطعنوا بسببها في دين الإسلام، لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة )). ثم وفّى بما وعد به في أربع وخمسين صفحة من (٣/٤٨٨ ـ ٥٤٢).
وهو دال على سعة علمه، ودقّة فهمه، وقوّة بصيرته، رحمه الله وغفر له.
ـ قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: ٣١].
نهى الله - عز وجل - في هذه الآية عن قتل الأولاد خشية الفقر، وأخبر سبحانه أنه رازق الأولاد والوالدين، ومثل هذه الآية، قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ [الأنعام: ١٥١]، ولما كان الفقر في هذه الآية متوقعاً لقوله: ﴿ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾ قدّم تعالى رَزقه الأولاد على رَزق الوالدين، وكأن رَزق الآباء حصل بسبب الإبقاء على الأولاد، فكان رَزق الآباء تبعاً لرَزق الأولاد.
ولما كان الفقر في آية سورة الأنعام واقعاً لقوله تعالى: ﴿ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾ قدِّم رَزق الوالدين على رَزق الأولاد.


الصفحة التالية
Icon