في هذه الآية الكريمة بيان إعجاز القرآن، وأن الذين نزل عليهم ـ وهم أهل الفصاحة والبلاغة ـ تُحُدّوا بأن يأتوا بسورة من مثله، وأقصر سور القرآن سور العصر والكوثر والإخلاص، ومع ذلك لم يستطيعوا، وقد كان التحدي حصل بالإتيان بمثله، ثم بعشر سور مثله، ثم بسورة من مثله، وهذا التحدي مستمر، وقد أخبر الله بحصول عجز الجن والإنس مجتمعين عن الإتيان بمثله، كما قال الله - عز وجل - :﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: ٨٨]، ومن أهل الفصاحة والبلاغة من أقرَّ بفصاحة القرآن وبلاغته، ففي صحيح البخاري (٤٨٥٤) عن جبير بن مطعم > قال: (( سمعت النبي * يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ tbrمچدّ‹|_ءكJّ٩$# ﴾ كاد قلبي أن يطير ))، وفيه (٤٠٢٣) قول جبير: (( سمعت النبي * يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أوّل ما وقر الإيمان في قلبي ))، وفيه (٣٠٥٠) عن محمد بن جبير عن أبيه ـ وكان في أسارى بدر ـ قال: (( سمعت النبي * يقرأ في المغرب بالطور )).
وما جاء عن النظّام المعتزلي من القول بالصرفة، وهو أن العرب كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن، ولكنه لما حصل التحدي عجزوا باطل؛ لأنه كان بإمكانهم لما عجزوا عند التحدي أن يرجعوا إلى ما كانوا دوّنوه قبل ذلك من الكلام البليغ الذي يتنافسون فيه في أسواقهم، فيختاروا منه ما يقابلون به القرآن، لكنهم لم يفعلوا لأنه لا قبل لهم في معارضته بشيء مثله.


الصفحة التالية
Icon