ومن كلام العرب البليغ الوجيز ما يُذكر في علم البلاغة وهو قولهم: (القتل أنفى للقتل)، وقد جاء في القرآن الكريم في هذا المعنى قول الله - عز وجل - :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [البقرة: ١٧٩]، ولم تَسْلم تلك الجملة من الخلل اللفظي والمعنوي، فالخلل اللفظي في كونها مكونة من ثلاث كلمات وواحدة منها مكرّرة، وأما الخلل المعنوي فإنه ليس كل قتل نافياً للقتل، بل من القتل ما يكون سبباً للقتل والاقتتال، وأما الآية القرآنية، فقد جاء فيها ذكر القصاص وهو الذي يكون به نفي القتل وحصول الحياة؛ لأن من عَرف أنه سيُقتل قصاصاً إذا قَتل غيره كفَّ عن القتل، وأبقى على حياته وحياة غيره.
ومن حاول الإتيان بشيء مثل القرآن باءَ بالخيبة وأعلن عجزه وإفلاسه أو أتى بما يبرهن على غبائه وسُخْفه، ومن الأول ما ذكره الشوكاني في تفسير أول آية من سورة المائدة قال: (( فيها من البلاغة ما تتقاصر عنده القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة: منها الوفاء بالعقود، ومنها تحليل بهيمة الأنعام، ومنها استثناء ما سيتلى مما لا يحل، ومنها تحريم الصيد على المحرم، ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم، وقد حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم! اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم! أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج، فقال: والله! ما أقدر ولا يطيق هذا أحد؛ إني فتحت المصحف فخرَجَت سورة المائدة، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً، ثم استثنى بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا )).