هذه أول آية في القرآن بدأها الله - عز وجل - بندائه للمؤمنين، وتبلغ الآيات المبدوءة بهذا النداء قريباً من التسعين آية، آخرها قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: ٨]، والسور من الحديد إلى التحريم فيها آيات بدئت بهذا النداء، إلاّ سورة الطلاق ففيها: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾ [الطلاق: ١٠]، وقد أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية وتفسير الآية الأولى من سورة المائدة أثراً عن عبد الله بن مسعود > أنه قال: (( إذا سمعت الله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ فأرعها سمعك؛ فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه ))، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (( نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم؛ وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص، عليهم لعائن الله، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولون: راعنا، يورّون بالرعونة، كما قال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: ٤٦]، وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلّموا إنما يقولون: السام عليكم، والسام هو الموت، ولهذا أُمرنا أن نردّ عليهم بـ (وعليكم)، وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا.


الصفحة التالية
Icon