و ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ يدل على توحيد الألوهية، وهو دعاء، والدعاء من أنواع العبادة، كما قال الله - عز وجل - :﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: ١٨]، وهذا الدعاء مشتمل على أعظم مطلوب للعبد، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم، الذي يحصل بسلوكه الخروج من الظلمات إلى النور والظفر بسعادة الدنيا والآخرة، وحاجة العبد إلى هذه الهداية أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب زاد حياته الفانية، والهداية إلى الصراط المستقيم زاد حياته الباقية الدائمة، ويشتمل هذا الدعاء على طلب الثبات على الهداية الحاصلة وعلى طلب المزيد من الهداية، قال الله - عز وجل - :﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: ١٧]، وقال عن أصحاب الكهف: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: ١٣]، وقال: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: ٧٦]، وفي الهداية إلى الصراط المستقيم سلوك طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهم الذين جمعوا بين العلم والعمل، فيسأل العبد ربه الهداية إلى الصراط المستقيم الذي تفضل الله به على رسله وأوليائه، ويسأله أن يجنبه طريق أعدائه الذين عندهم علم ولم يعملوا به، وهم اليهود المغضوب عليهم، والذين يعبدون الله على جهل وضلال، وهم النصارى الضالون، والحديث في بيان أن المغضوب عليهم اليهود وأن الضالين النصارى أخرجه الترمذي (٢٩٥٤) وغيره، وانظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني ~ (٣٢٦٣)، وفيه تسمية بعض الذين قالوا بثبوته من أهل العلم، وقد نقل ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ