فندبنا عمرـ أي لقتال الفرس ـ واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنّا بأرض العدو وخرج علينا عاملُ كسرى في أربعين ألفاً، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب، كنّا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمصّ الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلّت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبيُنا رسول ربنا * أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤتوا الجزية، وأخبرنا عن رسالة ربنا أنه من قُتل منا صار إلى الجنّة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منّا ملك رقابكم )).
وقد ذكر ابن هشام في مغني اللبيب (٢/١٤ ـ ١٦) أن (مِنْ) تأتي على خمسة عشر وجهاً، ومن هذه الوجوه البدَل، ومن أمثلة هذا الوجه في القرآن قوله في هذه الآية: ﴿ مِنَ اللَّهِ ﴾ أي بدلاً منه، ومن أمثلة ذلك أيضاً قول الله - عز وجل - :﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ ﴾ [التوبة: ٣٨]، وقوله عن نوح: ﴿ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: ٣٠]، وقوله عن صالح: ﴿ فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ﴾ [هود: ٦٣]، وقوله: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [الأنبياء: ٤٢]، وقوله: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾ [الزخرف: ٦٠]، فإن (مِن) في هذه الآيات بمعنى البدل.
ـ قوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: ١٤٣].


الصفحة التالية
Icon