وأما ما جاء في هذه الآية ونظائرها، مثل قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ﴾ [سبأ: ٢١]، وقوله: ﴿ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [الجن: ٢٨]، وقوله: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ﴾ [آل عمران: ١٦٦ ـ ١٦٧]، وقوله: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [الحديد: ٢٥]، فليس المراد من هذه الآيات أن الله تعالى يحصل له علم بشيء لم يكن عالماً به في الأزل، وإنما المراد حصول العلم الذي يظهر للناس ويترتب عليه الثواب والعقاب، قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ~ في أضواء البيان عند هذه الآية (١/١٠٤): (( ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون، وقد بيَّن أنه لا يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه بقوله ـ جلّ وعلا ـ: ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾، فقوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ بعد قوله: ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ ﴾ دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئاً لم يكن عالماً به سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً؛ لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار، وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه، ومعنى ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ ﴾ أي علماً يترتب عليه الثواب والعقاب، فلا ينافي أنه كان عالماً به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس، أما عالم السّرّ والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لا يخفى )).


الصفحة التالية
Icon