في هذه الآية الكريمة الأمر بالمحافظة على الصلوات الخمس، وتأكيد المحافظة على الصلاة الوسطى لعطفها على الصلوات وهي من جملتها، وعَطفُ الخاص على العام يفيد الاعتناء بالخاص لكونه ذُكر مفرداً بعد أن ذُكر مع غيره، وقد ذكر الله في أول سورة المؤمنون جملة من صفات المؤمنين وختمها بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: ٩]، وكذا في سورة المعارج وختمها بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: ٣٤].
واختلف العلماء في المراد بالصلاة الوسطى على أقوال، وأصحها أنها صلاة العصر؛ يدل لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (١٤٢٥) عن عليّ > قال: قال رسول الله * يوم الأحزاب: (( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء ))، وما أخرجه أيضاً (١٤٢٦) عن ابن مسعود > قال: (( حبس المشركون رسول الله * عن صلاة العصر حتى احمرّت الشمس أو اصفرّت، فقال رسول الله *: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً ))، وفي صحيح البخاري (٦٣٩٦) عن عليّ > قال: (( كنا مع النبي * يوم الخندق فقال: ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، وهي صلاة العصر )).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (( والوسطى تأنيث الأوسط، ووسطُ الشيء خيره وأعدله، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ وقد تقدّم، وقال أعرابي يمدح النبي *:
يا أوسطَ الناس طرّاً في مفاخرهم | وأكرمَ الناس أُمّاً برَّةً وأبا |