وفي صحيح البخاري (٣١٥٩) عن جبير بن حية قال: (( بعث عمرُ الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين... فندَبَنا عمر ـ أي لقتال الفرس ـ، واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو وخرج إلينا عامل كسرى في أربعين ألفاً، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب، كنا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلّت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا * أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤتوا الجزية، وأخبرنا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنّة في نعيم لم ير مثله قط ومن بقي منا ملك رقابكم )).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (( يقول تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ أي لا تُكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بيِّن واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بيّنة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ))، وقال: (( وقد ذهب طائفة كبيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية، وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال؛ فإنه يجب أن يُدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يُقتل )).
ـ وقوله: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾.