أو أنه على التقديم والتأخير، كما في قوله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَاد بِالْقَارِعَةِ ﴾ [الحاقة: ٤]، وعاد في الوجود قبل ثمود، أو أنه محمول على أن المراد بالتوفي أخذُه ورفعُه إليه، كما يقال في توفي الدين: قبضُه وأخذه، قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ~ في كتاب (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: ص ٥٧): (( والجواب على هذا من ثلاثة أوجه: الأول: أن قوله تعالى: ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾ لا يدل على تعيين الوقت، ولا يدل على كونه قد مضى، وهو متوفيه قطعاً يوماً ما، ولكن لا دليل على أن ذلك اليوم قد مضى، وأما عطفه ﴿ وَرَافِعُكَ ﴾ على ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾ فلا دليل فيه، لإطباق جمهور أهل اللسان العربي على أن الواو لا تقتضي الترتيب ولا الجمع، وإنما تقتضي مطلق التشريك )) إلى أن قال: (( الوجه الثاني: أن معنى ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾ أي: منيمك ورافعك إليَّ، أي في تلك النومة. وقد جاء في القرآن إطلاق الوفاة على النوم في قوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾، وقوله: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾، وعزا ابن كثير هذا القول للأكثرين، واستدل بالآيتين المذكورتين، وقوله *: (( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا...)) الحديث.
الوجه الثالث: أن ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾ اسم فاعل (( توفاه )) إذا قبضه وحازه إليه، ومنه قولهم: (( توفى فلان دينه )) إذا قبضه إليه، فيكون معنى ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾ على هذا: قابضك منهم إليَّ حيّاً، وهذا القول هو اختيار ابن جرير، وأما الجمع بأنه توفاه ساعات أو أياماً ثم أحياه، فالظاهر أنه من الإسرائيليات، وقد نهى * عن تصديقها وتكذيبها)).