قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (( يقول ـ جلَّ وعلا ـ: ﴿ إِن مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ﴾ في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب ﴿ كَمَثَلِ آَدَمَ ﴾ فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم، بل ﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾، فالذي خلق آدم من غير أب قادر على أن يخلق عيسى بالطريق الأولى والأخرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقاً من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً، ولكن الرب ـ جلّ جلاله ـ أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم، لا من ذكر ولا من أنثى، وخلَق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلَق عيسى من أنثى بلا ذكر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى )).
ومثل هذه القسمة الرباعية في أصل خلْق البشر، القسمة الرباعية في خلق بني آدم، إذ وهب لبعضهم الذكور، ووهب لبعضهم الإناث، ووهب لبعضهم الذكور والإناث، وجعل من يشاء عقيماً، كما قال - عز وجل - :﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: ٤٩ ـ ٥٠].


الصفحة التالية
Icon