ولعظم شأن سورة الفاتحة واشتمالها على توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وعلى طلب الهداية إلى الصراط المستقيم الذي حاجة المسلم إليه فوق كل حاجة، وضرورته إليه فوق كل ضرورة، شُرعت قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة، ففي صحيح البخاري (٧٥٦) ومسلم (٣٩٣) عن عبادة بن الصامت > أن رسول الله * قال: (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ))، وفي صحيح مسلم (٨٧٨) عن أبي هريرة > عن النبي * قال: (( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ـ ثلاثاً ـ غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله * يقول: قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قال: مجّدني عبدي، وقال مرّة: فوَّض إلي عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )).
ومعنى قول الله في هذا الحديث القدسي: (( فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل )) أن الجملة الأولى وهي ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ مشتملة على العبادة وهي لله، والجملة الثانية مشتملة على طلب العبد العون من الله، وأن الله تفضل عليه بأن له ما سأل.