أما في الوطن العربي فقد بدأت نظرية الترجمة في العصر الحديث مع بدايات اتصال العرب بالعالم الغربي في القرن التاسع عشر، وبخاصة في عهد محمد على الكبير والى مصر آنذاك، والبعثات الدراسية للخارج، وتأسيس مدرسة الألسن على يد العالم الأزهري الكبير رفاعة الطهطاوي، وعموماً فقد احتلت الترجمة عندنا في العالم العربي مكانة ثانوية نظراً لارتباطها بتعلم اللغات الأجنبية بحيث يصبح المتعلم في غير حاجة إليها تدريجياً كلما زادت ثقافته في اللغة الأجنبية المتعلمة وهو ما يطلق عليه الترجمة النحوية(١)(Grammatische Ubersetzung)، ثم اختفت هذه الطريقة ليحل محلها المنهج المباشر أو التواصلي والذي يعتمد على التفاعل المباشر والتعليم من خلال المواقف الحوارية واختفاء عملية الترجمة من وإلى اللغة الأصلية، ولكن هذا لا يمنع مدى الإسهام العربي في مجال الترجمة، ولا سيما في بيت الحكمة في عصر ازدهار الترجمة أيام الخليفة العباسي المأمون.
وفي هذا الإطار علينا أن نفرق بين علم الترجمة على أنه علم حديث ومنهجٌ علمي قائم على مجموعة من النظريات والرؤى العلمية والعملية وبين ممارسة الترجمة التي تمتد آلاف السنين(٢) منذ أن اختلفت الألسنة وظهرت حاجة الناس إلى الترجمة لتبادل الخبرات والمنافع الإنسانية أو في أوقات النزاع والحروب، ومع ذلك فإن النظرية والتطبيق وجهان لعملة واحدة، فليس هناك ثمة نظرية بلا تطبيق، وممارسة الترجمة بغير أساس علمي ممارسة ناقصة لا تؤدي الغرض المنشود.

(١) المرجع نفسه، ص ٨ وما بعدها.
(٢) قارن المرجع نفسه، ص ٧.


الصفحة التالية
Icon