وبداية فإن ترجمات القرآن إلى اللغات الأوروبية تعد بمنزلة تحول استراتيجي في العلاقة بين الغرب والإسلام، فمن خلال تلك الترجمات تغيرت العلاقة من المصادمات العسكرية إلى المصادمات الفكرية الجدلية وانتقلت ساحة النزاع من ميدان الحرب إلى ميدان النص، يدل على ذلك الخطاب الجدلي الذي نشأت فيه أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية، والتي دعا لها بطرس المبجل (Petrus Venerabilis) (١٠٩٢-١١٥٧م) رئيس دير كلوني، وقام بها روبرت فون كيتون (Robert von Ketton) بمساعدة الألماني هرمان دالماتا (Hermann تعالىelmatta)، وقد انتهى العمل في هذه الترجمة عام (١١٤٣م)، ومن المفارقات العجيبة أن هذه الترجمة ظلت حبيسة الأدراج مدة (٤٠٠) عام إلى أن تدخل بعض رجالات الدين وعلى رأسهم مارتن لوثر، لكي تخرج هذه الترجمة أخيراً إلى النور عام (١٥٤٣م)، وبالطبع كان الهدف من إخراجها هو دحض الدين الإسلامي ونقده وليس الحوار معه، وذلك من خلال مغالطات لغوية ودينية احتوتها هذه الترجمة. وكان السبب في تلك المغالطات اللغوية والعقدية هو صعوبة فهم النص القرآني في اللغة العربية، وترجمته إلى اللغة الهدف من جهة، ومن جهة أخرى خوف المترجمين من الترجمة الصحيحة لمعاني القرآن الكريم، وهو الذي تحتوي في جملة ما يحتويه على الرد على معتقداتهم وإثباته للدين الإسلامي وأن القرآن هو كلام الله تعالى(١).