لقد وجد المستشرق ولش Welch كاتب مادة ((القرآن)) في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الجديدة (١) في انفراد ابن مسعود (رضي الله عنه) بمصحف خاص خال من ذكر المعوذتين(٢) باباً يلجه كما ولجه غيره للتشكيك في مدى تواتر السورتين، وبالتالي التشكيك في مدى موثوقية القرآن الكريم، لقد حاول الرجل تدعيم ما ذهب إليه بنصوص منقطعة وضعيفة تصيدها من كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود وغيره من الكتب التي لم تتحر الصحة في النقل. ولا شك في أن الرأي المنسوب إلى ابن مسعود (رضي الله عنه) باطل من أساسه، وقد ردَّه كثير من العلماء منهم الإمام الباقلاني (ت ٤٠٣ه) في كتابه ((إعجاز القرآن)) فقال (٣): ((..... ولو كان قد أنكر السورتين على ما ادعوا لكانت الصحابة تناظره على ذلك وكان يظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقل من هذا. وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل، فكيف يجوز أن يقع التخفيف فيه؟ وقد علمنا إجماعهم على ما جمعوه في المصحف...)) ثم بين كيف أن الرواية المنقولة بهذا الصدد لا تعدو أن تكون خبر آحاد لا يسكن إليه، ولا يعول عليه. كما كذَّب الإمام النووي هذه الرواية فقال: ((أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود _ في الفاتحة والمعوذتين _ باطل وليس بصحيح عنه)) (٤) وينقل النووي أيضا عن المازري قوله في تعليل هذه الرواية فيما لو كانت صحيحة: ((ويحتمل مما روي من إسقاط المعوذتين من مصحف ابن مسعود أنه اعتقد أنه لا يلزمه كَتب كل القرآن وكَتَب ما سواهما وتركهما لشهرتهما عنده وعند الناس)) (٥)

(١) ﷺ ncyclopèdie de l'Islam، art ((Quran)).T ٥ p: ٤١٠.
(٢) في روايات أخرى أن مصحفه خال أيضا من الفاتحة، انظر الإتقان ١/١٨٤.
(٣) الباقلاني: إعجاز القرآن، طبعة عالم الكتب ببيروت ١٩٨٨ ص ٢٦٢.
(٤) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ١/١٨٥.
(٥) شرح النووي على صحيح مسلم ٢/١٠٨ -١١٠.


الصفحة التالية
Icon