ومن نواحي الضعف المنهجية التي تدخل في السياق نفسه محاولة دراسة اتجاه معين في التفسير أو تيار معين في مجال من مجالات علوم القرآن من خلال نموذج أو نموذجين يتم اختيارهما، والوقوف عندهما دون غيرهما. مثال ذلك ما اعتمده جولدزيهر في كتابه ((مذاهب التفسير الإسلامي)) (١) فقد كان يرمي إلى تحقيق افتراض بعينه اعتنقه مقدماً واعتسف من المقدمات واختار من الوسائل والأمثلة في تاريخ التفسير ما يوصله إلى ذلك الغرض، ويحقق له تلك النتيجة بعينها، فاقتصر على دراسة تفسيرين: تفسير الطبري، وتفسير المنار، وقد يكون من حق المؤلف أن يلتزم منهجا يسعف على تصوير افتراض يتخيله، ولكن ليس من الحق أن يقال إن جهده في هذا الصدد كشف صادق عن حقيقة التفسير عند المسلمين. لقد تخير جولدزيهر من مناهج المفسرين ما يخدم فكرته ويكشف عن أثر الالتزام المذهبي في توجيه النص وإنطاقه بمبادئ المذهب وعقائده، فاقتصر على دراسة تفاسير محددة (الطبري – الزمخشري-ابن عربي...) ولم يستقص بيان مذاهب التفسير كلها(٢)، وقد يكون من حق الباحث أن يسلك أي الطرق المنهجية في بحثه لكي يصبح من الواجب عليه حينئذ أن يلتزم أصول هذا الطريق طوال بحثه، وألا يؤمن ببعض المنهج ويكفر بالبعض الآخر، ولو فعل المستشرق ذلك واستقصى جوانب التفسير المذهبي كلها من تشريعية فقهية، إلى لغوية نحوية، أو أثرية موسوعية من خلال جميع كتب التفسير التي كانت – على الأقل- في وقته لتكشَّفت له حقيقة مغايرة، وهي أن النص القرآني نص خصيب متجدد وثري. فليس سهواً إذن أن يغفل جولدزيهر عن آثار أخرى في التفسير، وإنما هو التجاهل المتعمد ليبدو محصول المسلمين من
(٢) هذا ما يبدو من تقسيم جولدزيهر لكتابه إلى خمسة مباحث ضمَن كل واحد منها ما يعتقد أنه يمثل تياراً عاماً، انظر الصفحات: ٧٣-١٢٠-٢٠١-٢٨٦-٣٣٧.