إننا بالمقابل لا ننكر تغير المنهج الاستشراقي في هذا المجال نحو الأفضل والأحسن، فثمة فرق بين الاستشراق القديم والاستشراق المعاصر، لكنه فرق في الدرجة فقط وليس في النوع، لقد أضحى الاستشراق المعاصر أقدر على تفهم واستيعاب بعض قضايا ومسائل علوم القرآن وإيحاءاتها عكس ما كان سائداً قبل مطلع القرن العشرين؛ حيث كانت أبحاث المستشرقين القرآنية يطبعها منهج سافر يوجَّه من خلاله الشتم والسب في حق القرآن الكريم، والنبي عليه الصلاة والسلام.
ولا نُخفي أنه بعد الاجتهاد في الأمر والنظر ملياً في اتجاهات الاستشراق وتحولاته، تبين أن رجلاً لُقّب بشيخ المستشرقين في الدراسات القرآنية، كان يمثل فعلاً حلقة وصل بين المنهج الاستشراقي القديم والمنهج الاستشراقي المعاصر، ويمثل فكر الرجل الذي هو تيودورنولدكه (ت ١٩٣١م) Th Noldeke في هذا المجال كتابه الشهير ((تاريخ القرآن)) Geschichte des Qorans (١) الذي يعد دستور المستشرقين في معرفة تاريخ القرآن، حتى أضحى الكتاب أبرز المصادر التي لا يستغني عنها الباحثون الغربيون في ميدان القرآنيات، فهو عرض تاريخي مفصل لكل المسائل والموضوعات التي تتصل بتاريخ القرآن الكريم وعلومه ومختلف مباحثه وقضاياه، منذ نزول الوحي إلى عصر المؤلف.
بل ترجم الكتاب إلى اللغة العربية كاملاً، وصدر عن مؤسسة كونراد أدناور الألمانية بالتعاون مع معهد غوته في بيروت (اللجنة العلمية).