فمختلف هذه الروايات الضعيفة والمنقطعة تتعارض مع ما جاء في صحيح البخاري من أن أول مَنْ جَمَعَ القرآن هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (١). وقد وجد معظم المستشرقين في كتاب "المصاحف" لابن أبي داود (ت ٣١٦ه) ضالتهم المنشودة، ومعروف عن ابن أبي داود أنه كان يجمع كل ما بلغه في شأن جمع القرآن واختلاف مصاحف الصحابة دون تمحيص أو تثبت.
المطلب الثالث: توليد النصوص والشواهد بتصيدها من كتب الأدب والتاريخ وغيرها
يختلف البحث الاستشراقي في حقل القرآنيات عن المنهج الإسلامي المؤسس على ضرورة اعتماد الموثوق من المصادر والمشهود له بالأولية والتميز، فالمصادر القرآنية الموثوقة ليس فيها ما يسعف القوم في تسويغ ما يَصْبون إلى تأكيده من أحكام مغرضة، واستنتاجات مغلوطة وخاطئة أريد لها أن تكون كذلك، ولهذا يلتجئ القوم إلى مصادر أخرى بحثاً عما يعينهم على بلوغ مأمولهم فيجدون بغيتهم في كتب الأدب والتاريخ وغيرها دون أدنى اكتراث بما يشكله اعتماد تلك المصادر في قضايا جوهرية ترتبط بالدراسات القرآنية من خلل منهجي كبير، ربما كان المستشرقون أول من نبهوا لخطورته وعواره في أبحاثهم الأخرى.
وهكذا مثلا يتم الاعتماد على كتاب مروج الذهب للمسعودي، وكتاب الأغاني للأصفهاني، وكتاب الفهرست لابن النديم، وكتاب الإحياء للغزالي، وكتاب الحيوان للدميري وغيرها(٢) في دراسة علوم القرآن والتفسير.
(٢) انظر اعتماد جولدزيهر على هذه الكتب في كتابه ((مذاهب التفسير الإسلامي)) طبعة دار اقرأ ببيروت ١٩٨٣م في الصفحات التالية: ٧٨-٨٣-٩٠-٩١، وانظر اعتماد بلاشير على ((مروج الذهب)) في كتاب Introduction au Coran ص ٢٩ و٧٦.