وقد يهدف المستشرق من وراء ذلك إلى افتعال نوع من التشويش والبلبلة في الأذهان، كما فعل الفرنسي بلاشير في معرض حديثه عن عدد السور المكية والمدنية؛ حيث أحال في أحد الحواشي على كتاب ((الإتقان)) ثم قال بعد ذلك: ((حسب رواية يقدمها لنا ابن النديم في كتابه ((الفهرست)) فإن عدد السور المكية ٨٥ وعدد السور المدنية ٢٨))، ثم يعقب بقوله: ((لاحظوا فالمجموع ١١٣ سورة!! ))(١) وهنا نجد الرجل الذي عرف بمنهجه الصارم وحسه النقدي في البحث لم يجرؤ على أن يقول: ((ربما وقع سهو في كلام ابن النديم أو أن العدد ٨٦ تحول إلى ٨٥ خطأً أثناء النسخ أو شيء من هذا القبيل ما دام إجماع الأمة الإسلامية، وكذا ما تنطق به الملايين من المصاحف المطبوعة على أن عدد سور القرآن ١١٤ سورة.
والواقع أن كثيراً من المستشرقين ودعاة التغريب قد ألحوا على اعتماد مثل هذه الكتب، وأولَوها الاهتمام البالغ وأعادوا طبعها وأذاعوا بها، وحرضوا الباحثين من التغريبيين على اعتمادها مصادر ومراجع؛ وذلك لأنها تفسد الحقائق وترسم صوراً غير صحيحة ولا موثوقة عن واقع الأمور.
المطلب الرابع: إهمال المصادر القرآنية الأصيلة والاحتفاء بدراسات المستشرقين السالفة.
يبدو أن من أخطاء منهج المستشرقين في اعتماد مصادر ومراجع معينة تعمُّد عدم الاكتراث بموثوقيتها وأولوية بعضها؛ لهذا نجد أن المستشرق الذي يسعى إلى فرض فكرة معينة وتكريسها لا يلقي بالاً إلى المصادر التي ترمي مضامينها إلى نقيض ما يذهب إليه، وهو يعمد في الغالب إلى تقديم كتب ثانوية وغير موثوقة على ما هو معروف من كتب موثوقة ومعوَّل عليها، وهذا المنهج الخاطئ كفيل بأن يؤدي إلى نتائج مغلوطة وخاطئة أريد لها أن تكون كذلك.