ويبدو أن من أعظم أخطاء هذا المنهج المتمثل في عدم ترتيب المصادر حسب موثوقيتها وقيمتها تقديم كتب المستشرقين على غيرها من كتب العلماء المسلمين الأوائل في نقل الروايات، والنصوص القديمة.
إن بلاشير الفرنسي مثلاً لا يتوانى في الإحالة على كتاب ((تاريخ القرآن)) للمستشرق الألماني نولدكه كلما تعلق الأمر بذكر أحاديث نبوية أو روايات مأثورة(١) تختص بمسألة جمع القرآن - مثلا - والتي نقلها العلماء المسلمون في كتبهم، والمثير للغرابة أن يلجأ بلاشير في حاشية واحدة إلى الإحالة على كتاب نولدكه أولا، ثم يتبعه بكتاب الواحدي في أسباب النُّزول وتفسير أبي حيان، ثم الإتقان للسيوطي (٢). والمستشرق ولش في مادة ((القرآن))(٣) يقول: ((لاشيء في القرآن يدل على أن معنى (الأمي) الذي لا يقرأ ولا يكتب، وبدل الرجوع إلى كتب التفسير يحيل مباشرة بعد قوله هذا على (نولدكه) في تاريخ القرآن (١/١٤)، وبيل في كتابه (ص٣٣)، وبلاشير في مدخله (ص ٦- ١٢).
ويعد لجوء المستشرقين إلى الإحالة على كتب زملائهم السابقين أولاً، ثم الإشارة بعد ذلك إلى المصادر العربية الأصيلة أمراً يكاد يكون مطرداً.
والأدهى من ذلك أن نعثر في كتاب بلاشير على حاشية يحيل فيها على كتاب نولدكه ثم يضع بين قوسين إشارة إلى أن نولدكه قد أسند نقله إلى الطبري في تفسيره، لكن تبين لبلاشير أن الإحالة غير صحيحة ونص عليها، ومع ذلك نجد الرجل لا يعير المسألة أدنى اهتمام، بل يمضي قدماً ويستشهد بما ذكره سلفه من نقول أو روايات تخدم هدفه ومرماه(٤)
(٢) رضي الله عنlachère: op.cit p ٢٤٣ note ٣٤٩.
(٣) ﷺ ncyclopédie de l’Islam p ٤٠٤.
(٤) R. رضي الله عنlachère: Introduction au Coran p ٦٩، note ٨٩.
ونص كلام بلاشير: ((انظر كتاب نولدكه ((تاريخ القرآن)) (مع حاشية تحيل على تفسير الطبري لكنه غير صحيح) حيث يورد نولدكه رواية مفادها أن الصحابي أنس بن مالك (ت ٩١ه) كان يعد قراءة ((أقوم)) مثل ((أصوب)) في الآية ٦ من سورة المزمل)).