فالمستشرق الانجليزي آرثر جفري يأتي مثلاً بفرضية حول سورة الجن فيقول: ((إن الآيات الخاتمة للسورة تختلف كثيراً في الشكل والأسلوب، وتظهر وكأنها قطعة غريبة وضعها جامعو القرآن أو كتبته)) (١).
فجفري يريد أن يؤكد للقارئ وجود اختلاف وعدم تناسب وتناسق بين الآيات الخاتمة (يرمي بدون شك إلى الآيات ١٩ فما بعدها من السورة) والتي قبلها من خلال التلميح _ بشكل عرضي وكأنه أمر طبيعي _ إلى أن كتبة الوحي هم الذين أضافوا المقطع الذي لا يتناسب –حسب زعم الرجل- مع الآيات السابقة، وهذه طريقة معروفة لدى المستشرقين في مخاطبة قرائهم. ولو رجع جفري إلى كتب التفسير، وكتب علم التناسب القرآني؛ لتبين له أن لا اضطراب ولا اختلاف بين طرفي السورة، يقول الإمام برهان الدين البقاعي (ت ٨٨٥ه) في آخر حديثه عن سورة الجن: ((لقد التقى أول السورة وآخرها، فدل آخرها على الأول المجمل وأولها على الآخر المفصل، وذلك أن أول السورة بين عظمة الوحي؛ بسبب الجن، ثم بين في أثنائها حفظه من مسترقي السمع، وختم بتأكيد حفظه وحفظ جميع كلماته...))(٢) أما الإمام ابن الزبير الغرناطي (ت ٧٠٨ه) فبعد أن بين تناسب آي سورة الجن ختم حديثه بقوله: ((ثم استمرت الآي ملتحمة المعاني معتضدة المباني إلى آخر السورة ))(٣).
(٢) البقاعي: نظم الدرر في تناسق الآي والسور: ٢٠ / ٥٠٤.
(٣) ابن الزبير: البرهان في ترتيب سور القرآن. طبع وزارة الأوقاف المغربية، الرباط ١٩٩٠. ص ٣٤٩.