وهذا رودويل الذي انطلق من كون الآيات التي نزلت مع أول الوحي تتسم بالقصر قد حاول أن يضع على أساسها ترتيباً جديداً للسور المختلفة، فنراه مثلاً يعلق على سورة الملك بقوله: ((من الواضح أن الآيات من (٨) إلى (١١) قد نزلت متأخرة عن بقية السورة، ثم ألحقت بها؛ لأن كلاً منها أطول من بقية آيات السورة))(١).
إنه بالرجوع إلى سورة الملك لا نجد أن الآيات المشار إليها أطول من غيرها، ولو فرضنا جدلاً أن الأمر حاصل، وهو حاصل فعلاً في كثير من السور (انظر مثلا آية المداينة التي هي أطول آية في القرآن في أواخر سورة البقرة) فإن ذلك دليل على أن ترتيب آي القرآن الكريم توقيفي من عند حكيم عليم، إذ لو كان من ترتيب جُمَّاع القرآن؛ لرتبوا الآيات ترتيباً تاريخياً ومنطقياً وحسب طول الآي والسور وقصرها.
ويستعمل المستشرق الفرنسي أنري ماسيه مصطلح ((الافتراض)) حين ينسب لعثمان بن عفان رضي الله عنه هدفاً سياسياً صبا إليه وهو يأمر بجمع القرآن، فيقول: ((يمكن الافتراض أنه كان لعثمان هدف سياسي بعمله هذا يعادل الهدف الديني، فقد وصل إلى الخلافة بجهد، وكان أن عَزَّز مركزه بإقراره نصاً لا يتغير للكتاب المقدس))(٢).

(١) Rodwell: The Koran. London ١٩٠٩ p ٦٩.
(٢) Henri Massé: L'Islam p ٧٨.


الصفحة التالية
Icon