وفي دراسة للمستشرق الفرنسي كلود جيليو الأستاذ بجامعة ((إكس أن بروفانس)) بفرنسا حول الآية الأولى من سورة الإسراء(١) حاول الرجل أن يبرهن أن الآية الأولى المتعلقة بمعجزة الإسراء قد جاءت منفكة ومعزولة عن بقية الآيات، فهي تنتهي بفاصلة مخالفة لتلك السائدة في باقي آيات السورة، كما أن الحديث ينتقل بصورة مفاجئة إلى موضوعات أخرى لا علاقة لها بحدث الإسراء. ويحاول الرجل أن يعزز افتراءه بما سبق أن ذكره بعض المستشرقين السابقين مثل نولدكه في كتابه ((تاريخ القرآن)) الذي رجع بدوره إلى ما أورده سلفه فايل Weil فيقول: ((قد تكون هذه الآيات مختلقة بعد وفاة محمد وأدرجت في القرآن في خلافة أبي بكر؛ لأنه من المستحيل أن يكون محمد ﷺ قد ادعى الإسراء به إلى بيت المقدس؛ لأنه كان يصرح دوماً أنه مجرد بشير ونذير، وليس صانع معجزات))(٢).
إننا لسنا بحاجة في هذا المقام للرد على هؤلاء المغرضين بأن الآية التي نَعَتوها بالدمج المتأخر قد جاءت مترابطة بدرجة كبيرة، وعلى أسس بلاغية فائقة مع الآيات السابقة لها والتي تأتي بعدها، وهو ما بينه المفسرون أثناء حديثهم عن تناسب مطلع سورة الإسراء لما بعدها(٣) والحديث عن صنعة الالتفات الحاصلة بين الآية الأولى (صيغة الغيبة) والآيات التي بعدها (صيغة الحضور) مما استغربه كلود جيليو في بحثه الآنف الذكر.
(٢) Geschichte des Qorans: ١/١٣٤ (cité par Gilliot، ibid.).
(٣) انظر على سبيل المثال ما أورده الرازي في تفسيره ٢٠/١٥٤ ( طبعة دار الفكر ١٩٨١) من حديث عن بلاغة الالتفات الحاصلة بين الآية الأولى وبقية الآيات.