ويكفي للرد على افتراضاتهم أنه إذا كانت تلك الآيات لم تنْزل في الوقت الذي أنزلت فيه بقية السورة، فما هو إلا دليل صريح على أن ما جاء في المصحف من ترتيب للآيات على غير الترتيب التنْزيلي إنما هو من عند الله الحكيم الخبير، وكفى.
إنه مما لا شك فيه أن طريقة المستشرقين في ترتيب الآيات ترتيباً زمنياً تنمُّ عن تعسف في إطلاق الأحكام واتباع الهوى وحب الافتراض والتخمين، وفي ذلك تجاهل لقيمة الرواية الصحيحة التي تعدُّ الطريقة الوحيدة في ترتيب القرآن ترتيباً دقيقاً وحكيماً (١).
والجدير بالإشارة أن بعض المستشرقين المعاصرين قد وصلوا إلى نتيجة مفادها استحالة هذا الترتيب وعدم تحقيقه لنتيجة مرضية؛ ولهذا اقتنع نولدكه في آخر حياته بهذا الأمر حين سئل مرة إن كان يشعر بالندم، لأنه لم يمض تلك العقود من السنين في دراسة تعود بالفائدة على الجنس البشري كالطب والكيمياء أو أي فرع آخر غير الدين واللغات والفلسفة؟ فأجاب بقوله: ((إذا كان من ندم فلأنني درست علوماً لم أظفر منها في النهاية بنتائج قاطعة وحاسمة)) (٢).
وجاء بعد نولدكه ريجس بلاشير الذي كان قد ترجم معاني القرآن وفق ترتيب نزولي للسور عام ١٩٤٩م، ثم تراجع عن ذلك لدى إعادة طبع الترجمة عام ١٩٥٧م (٣).

(١) استعرض د صبحي الصالح في كتاب ((مباحث في علوم القرآن)) الطبعة الثامنة ١٩٧٤ (١٧٦-١٧٨) أبرز محاولات المستشرقين في ترتيب القرآن على حسب النزول.
(٢) د حسن عزوزي دراسات في الاستشراق ومناهجه طبعة فاس ١٩٩٩م ص ٥٣.
(٣) د عبد الرحمن بدوي: موسوعة المستشرقين، طبعة دار العلم للملايين بيروت ١٩٨٩م ص ٨٢.


الصفحة التالية
Icon