ومن أغرب الافتراضات التي وضعها المستشرقون في حقل الدراسات القرآنية ما تعلق بعدم جمع الرسول ﷺ للقرآن جمعاً رسمياً، فيقول بلاشير: ((إن ميل الرسول وأصحابه إلى ترك الأمور على ما هي عليه يؤيده ما اشتهر به العرب من أنهم لا يفكرون إلا في الحاضر، ولا يهمهم المستقبل، وهذا الميل يقف وراء عزوف المسلمين عن جمع القرآن في عهده))(١).
إن مثل هذه الأحكام التي لا تستند إلى أي دليل تثير الاستغراب والتعجب؛ إذ من ذا الذي يملك دليلاً يدين به أمة كاملة بأنها لا تفكر إلا في الحاضر؟ وهل مجرد الفرض الخيالي يكفي في نظر العلم الصحيح أن يكون دليلاً؟
وقد سبق بول كازانوفا إلى إثارة مثل هذه الشبهات القائمة على مجرد التخمين والافتراض، وذلك حين ذهب إلى أن النبي ﷺ لما كان مؤمناً بأن العالم لن يستمر بعد وفاته، وأن الساعة ستقوم قبل موته أو بعده مباشرة لم يجمع القرآن الكريم ولم يعيِّنْ من يخلفه، وقد استند في افتراضه الغريب هذا إلى فهمٍ غريب مفاده أن الرسول عليه السلام كان يعتقد بأن نهاية العالم قريبة، وذلك استناداً إلى قوله ((بُعثت أنا والساعة كهاتين)) قال: وضمَّ السبابة والوسطى(٢).
(٢) Casanova: Mohomet et la fin du monde Paris ١٩١٢- pp ٦-١٠.
أما الحديث فقد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ٤/٢٢٦٩ برقم ٢٩٥١-١٣٥.