ولا شك أن الردَّ على مثل هذه الافتراضات والتصورات لا يحتاج إلى جهد كبير، ولاسيما أنها قد بلغت من الشذوذ إلى حد إنكارها واستغرابها من قبل المستشرقين قبل غيرهم من المسلمين. بل لقد تصدى لكازانوفا في آرائه الغريبة المبنية على الخيال والافتراض والتخمين كثير من زملائه فكفى الله المؤمنين القتال. فبلاشير في كتابه ((مدخل إلى القرآن الكريم))(١) أكد غرابة الرأي وتطرفه مبيناً أن كازانوفا لم يكن غرضه البحث عن أسباب عدم جمع القرآن في العهد النبوي وإنما إبراز نوع من الجرأة والوقاحة hardiesse.
أمّا المستشرق الفرنسي المسلم ناصر الدين دينيه فاستعرض في كتابه الذي خصصه للردِّ على كلٍ من أنري لامنس البلجيكي وبول كازانوفا الفرنسي، جملةً من الأدلة التي تعارض طَرْحَ كازانوفا، منها ذِكْرُ الآيات القرآنية التي تنفي عن الرسول ﷺ عِلْمَه بالساعة متى تقوم، والكتب التي بعثها عليه الصلاة والسلام إلى ملوك الدول والإمبراطوريات المجاورة، والسرايا والغزوات الصعبة التي غزاها مع أصحابه في آخر حياته، ومنها السرية التي هَمَّ بإرسالها إلى الشام وهو طريح الفراش إلى غير ذلك من الأدلة التي ساقها المؤلف في كتابه (٢).
أما عن أسباب عدم جمع القرآن الكريم في العهد النبوي رداً على الشبهة السابقة فيمكن تلخيصها فيما يلي:
(٢) ﷺ، Dinet: l’orient vu par l’occident Paris ١٩٢٨ pp ٤٥-٦٩.