كان التعويل في صدر الإسلام على الحفظ أكثر من الكتابة، كما أن أدوات الكتابة ووسائلها لم تكن ميسورة، وبالتالي فلم يكن هناك داع قوي لجمع القرآن، كما أن حياة المسلمين وقتئذ كانت محدودة بمكة والمدينة وما جاورهما؛ حيث لم يتفرق الصحابة في الأمصار، والإسلام لم يستبحر عمرانه بعد، مما جعل فتنة الاختلاف وحدوث الالتباس في أمر القرآن مأمونة وغير مطروحة، وقد ساعد على ذلك كثرة الحفاظ والقراء الذين كانوا يتدارسون القرآن في كل وقت وحين ويحرصون على استظهاره (١).
أن القرآن الكريم لم ينزل جملة واحدة، بل نزل مفرقاً على مدى ثلاث وعشرين سنة، وبالتالي لم يكن من الممكن جمعه إلا بعد وفاة الرسول ﷺ حين توقف نزول الوحي.
أن الرسول ﷺ كان يترقب دائماً نزول الوحي بنسخ ما شاء الله من آية أو آيات، ومع إمكان ورود الناسخ تعذر جمع القرآن بصورة عملية مأمونة، وإلا كان القرآن المجموع عرضة للتغيير والتبديل كلما نزل ناسخ أو حدث سبب موجب لذلك، وقد كان الأمر في ذلك الوقت صعباً، ولاسيما في ظل ظروف لا تساعد على تيسير أمر الكتابة والتدوين.
أن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النُّزول، وكان الرسول ﷺ كلما نزل عليه شيء من القرآن دعا من يكتبه وقال له: ((ضع آية كذا في موضع كذا..)) ولذلك فإن الاعتبارات التي دعت إلى ترتيب القرآن لم تكن تسمح بجمع القرآن في صحف أو مصاحف.

(١) د حسن عزوزي: مدخل إلى دراسة علوم القرآن والتفسير، مطبعة أنفوبرانت فاس، الطبعة الرابعة ٢٠٠٤ ص ٥٨.


الصفحة التالية
Icon