ولا شك أن هذا التفسير الإسقاطي الفاسد لا يستند إلى أدنى دليل علمي أو منطق عقلي، فهو منهج يخضع لهوى المستشرق وأحكامه السابقة مما تنتج عنه أحكام تعسفية وجائرة؛ إذ من المعلوم أن الرسول ﷺ كان يحث على حفظ القرآن وكتابته خوفاً عليه من الضياع، وقد بلغ الحرص على كتابته وتدوينه في مختلف الوسائل التي كانت متاحة وقتئذ أن نهى أصحابه أول الأمر عن كتابة الحديث حتى لا يختلط بالقرآن، كما أنه عليه السلام كان يستدعي كتبته الذين فاق عددهم الأربعين ويأمرهم بكتابة جميع ما ينْزل عليه من القرآن، ويشير إلى مواضع الآيات من السور، وهو ما يشير إليه زيد بن ثابت (رضي الله عنه) بقوله: ((كنا عند رسول الله ﷺ نؤلف القرآن من الرقاع))(١) فكل هذا يدل على أن رسول الله ﷺ وصحابته كانوا يفكرون في حفظ القرآن مدوناً ومكتوباً لمن يأتي بعدهم، غير أن جمعه في مصحف لم يكن ممكناً آنئذ؛ لأنه عليه السلام كان ينْزل عليه القرآن منجماً طوال ثلاث وعشرين سنة، فكان يترقب كل مرة ورود زيادة أو نسخ لبعض الأحكام أو التلاوة.
ومن أمثلة هذا المنهج الإسقاطي أيضاً ما ذهب إليه بعضهم من أن تمايز أسلوب القرآن المكي عن الأسلوب المدني يرجع إلى بيئة قريش المنحطة وبيئة المدينة المتقدمة والمتحضرة، فإذا كانت الآيات المكية قصيرة فلأن معظم أهالي مكة أميون جاهلون، وإذا كانت الآيات المدنية طويلة وواضحة فلأن البيئة المدنية مثقفة واعية ومتأثرة بالنفوذ اليهودي المهيمن عليها.