إن من أبرز ما تميز به الاستشراق المعاصر عن الاستشراق القديم اهتمامه بشكل دقيق ومفصل بالمرحلة التأسيسية للعلوم القرآنية وعلى رأسها علم التفسير، فبعد الاهتمام البالغ بمراحل جمع القرآن وتكوين مصحف إمام، أخذ الاهتمام الاستشراقي يتوجه إلى بحث البدايات الأولى لظهور علم التفسير مع جيلي الصحابة والتابعين، ويبدو الهدف الرئيسي من كل ذلك تحطيم أسس العلوم القرآنية وركائزها المتمثلة في المرويات المتصلة بالصحابة والتابعين؛ قصدَ الخلوص إلى نتيجة مفادها أن التراث التفسيري لم يدون إلا في مرحلة متأخرة عن العصور الأولى. وقد نهج المستشرقون في كل ذلك طرائق عدة تمثلت في التشكيك في الروايات الصحيحة والتقليل من أهمية أعلام علم التفسير ومكانتهم، كابن عباس ومجاهد، ورواد الجمع القرآني، كزيد بن ثابت وأبي بكر وعثمان رضي الله عنهم.
لقد تبين لهؤلاء المستشرقين أن العلوم الإسلامية وعلى رأسها العلوم القرآنية قد استوت معالمها ومرتكزاتها على أساس وبناء صَرح المرحلة التأسيسية في عهد الصحابة والتابعين؛ من أجل ذلك تفتقت أذهان القوم على التفكير في إعادة بحث ودراسة تلك المرحلة التي يرتكز عليها تاريخ القرآن بكل أطواره بصورة تهدف إلى تحطيم أسسها وإثارة مختلف الشبهات حولها.