لقد فتح نولدكه بكتابه هذا باباً وَلَجَه كثير من المستشرقين النزاعين إلى دراسة القرآن الكريم، على نحو يرى أن الدراسات القرآنية لا يمكن أن تُبحث بمعزل عن الدراسات اللغوية والمناهج الفلولوجية واعتماد المصادر القديمة. ويمكن القول بأن كتاب نولدكه كان فصلاً فاصلاً بين عهد كان يدرس فيه القرآن على أساس أنه هرطقة ومجموعة من التخيلات والتصورات جاء بها نبي مزيف، وبين عهد أخذ ينظر فيه إلى القرآن بقدر _ ولو ضئيل _ من الاحترام على أساس أنه كتاب المسلمين المقدس، الذي يجب أن يدرس أسلوبه وتبحث مضامينه وينقب عن حلقاته. غير أن المستشرق الذي يدرس القرآن ولا يؤمن بكونه من عند الله تعالى مهما حاول التجرد من الهوى والتزام شيء من الموضوعية والحياد، فإنه واقع لا محالة في أخطاء فظيعة ونظريات واهية تتأرجح بين سوء الفهم تارة، وسوء النية تارة أخرى، فهذا نولدكه نفسه لا يتردد في الحكم على نبينا محمد ﷺ بقوله _ وبئس القول _: ((صائغ غير موهوب لسور قرآنية مشوشة الأسلوب)) (١).
لكن يمكن الاعتراف بأن المستشرقين المعاصرين لنا ابتداء من النصف الثاني من (ق ٢٠م) هم أقدر على تحاشي أساليب الطعن والتجريح في حق القرآن الكريم ونبينا عليه الصلاة والسلام، فقد فرضت علاقات هؤلاء بالدول العربية والإسلامية وبشخصياتها العلمية قدراً من الاحترام والتعاطف، مما أمكن معه القول بأن قصور المناهج الاستشراقية المعاصرة في مجال القرآنيات أمر قد لا يظهر جلياً لغير القلة من المتخصصين في علوم القرآن ممن يستطيعون اكتشاف مواطن الخطأ والضعف في إنتاجات المستشرقين في هذا الميدان.