ومما يدلُّ على ذلك إثارتهم الخلاف حول أول من جمع القرآن، وذلك بالاستناد إلى روايات منقطعة، يقول كاتب مادة ((القرآن)) المشار إليها أعلاه: ((حسب بعض الأحاديث المروية يكون عمر قد سأل عن آية من كتاب الله فقيل له: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال عمر: ((إنا لله)) وأمر بالقرآن فجمع، فكأن أول من جمعه في ((المصحف)) وهذه الرواية اقتنصها المستشرق ويلش من كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود(١)، وهي رواية ضعيفة جداً رويت من طريق الحسن البصري حكم الحافظ ابن حجر (ت ٨٥٢ه) بضعفها قائلا: ((وهذا منقطع، فإن كان محفوظا حمل على أن المراد بقوله: ((فكان أول من جمعه)) أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك))(٢). ثم إن المستشرق كاتب المادة لم يقنع بهذا بل استدرك عليه بروايات أخرى يستنتج منها مجدداً أن أبا بكر هو الذي بدأ بجمع القرآن وأن عمر هو الذي أنهى ذلك الجمع، أو أن أبا بكر هو أول من جمع في صحف وعمر هو أول من جمعه في مصحف(٣). وهكذا ينتهي الأمر إلى حلقات من الافتراضات المتلاحقة التي لا تثمر إلا ظنوناً في أمر هو في حقيقته على درجة عالية من الوضوح، وتتوافر في حقه جملة كبيرة من الشهادات المثمرة لليقين، ومنها ما جاء في كتاب المصاحف نفسه بإسناد حسن عن عبد خير حيث قال: سمعت علياً يقول: ((أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله))(٤) وقد حَسَّن الرواية الحافظ ابن حجر في فتحه في الجزء والصفحة أنفسهما المشار إليهما أعلاه.
وقد يعمدون إلى ضرب بعض الروايات ببعض؛ قصد كشف تناقضها وتعارضها حسب زعمهم، وبالتالي التشكيك في مصداقية النص القرآني.

(١) المصاحف ص ١٠.
(٢) فتح الباري لابن حجر ٩/٣١٠.
(٣) ﷺ ncyclopédie de l'Islam ٥/٥١٦.
(٤) كتاب المصاحف ص ١٢.


الصفحة التالية
Icon