هكذا إذن يتبين لنا عقم المناهج الاستشراقية في دراسة القرآن الكريم وعلومه؛ لأنها مناهج تعالج الظواهر والوقائع وفق منظور مادي وعقلي محض، وهذا ما لا يتناسب ودراسة القرآن الكريم التي لا تخضع لمنهج التجربة ولا يمكن أن تطوع لأحكام العقل. وإذا كان علماء الأديان الغربيون قد درسوا التوراة والأناجيل وفق تلك المناهج المادية في إطار من الدراسات الدينية المقارنة فإن أمر القرآن الكريم يختلف عن ذلك، فهو وحي إلهي لم تمسه تحريفات الإنسان أو تغييرات الزمان، لذلك وجب على من يدرسه ويحلل قضاياه أن يدرسه بعقلية تؤمن بالغيب وما يترتب على ذلك. وليس من المتاح لفئات المستشرقين قدامى كانوا أو معاصرين التخلص من خلفياتهم الفكرية التي نسجتها بيئات معينة وظروف خاصة، ولا من رؤاهم المادية والتغريبية التي أملتها في البحث والتحليل.
وبعد دراسة بعض تلك المناهج التي نرى أن المستشرقين يعتمدون عليها يمكن الخلوص إلى جملة من النتائج والتوصيات نوجزها فيما يلي:
* أن الناظر المتأمل والفاحص في كتب المستشرقين المرتبطة بعلوم القرآن يظهر له أنه قد أضحى من المألوف أن يكون كل ما تعلق بالقرآن في دراسات القوم لا يمكن الاعتداد به ألبتة؛ لأنه لا محالة مُحطم للمُسَلمات التي يجزم بها المسلمون، ومشكك في البداهات التي يؤمنون بها.
* يجب عدم الانخداع بما قد يظهره بعض المستشرقين من تعاطف بالغ مع قضايا الإسلام، ومن ذلك استشهادهم بنصوص قرآنية مُسْندين إياها إلى الله تعالى، فالأمر لا يعدو أن يكون مظهراً جمالياً وحضارياً يسعى المستشرق من ورائه إلى التقرب إلى المسلمين وكسب مودتهم.
* يجب أن نعلم جيداً أن الباحث الغربي ما دام مستشرقاً يدرس الإسلام من زاوية خارجية ووفق منظور تغريبي، فلا ينتظر منه أن يؤمن بما نؤمن به وإلا لدخل في الإسلام.