من جهة ثانية لا بد من الإشارة إلى أن هناك فئة من المستشرقين ممن تبين لهم عقم هذا المنهج التاريخي البالي وانسداد طرقه وعدم جدواه قد نحوا منحى جديداً في دراساتهم مستخدمين طرائق العلوم الإنسانية المعاصرة والمناهج التحليلية في نقد النصوص.
وهذه المحاولات قليلة ونادرة لا تتجاوز بعض الكتب والأبحاث المنشورة في مجلات المستشرقين العالمية؛ لذلك يصعب الحكم مبكراً على مدى جديتها وجدواها. ويبقى أن حصيلة الدراسات القرآنية المعاصرة التي أنجبتها معاقل الاستشراق الغربية والتي تكفل لنا تكوين نظرة عامة عن مناهج المستشرقين المعاصرين في الدراسات القرآنية لا تتعدى كتب كبار المستشرقين التي اهتمت بالحديث عن تاريخ القرآن وعلومه، أو بموضوعات لها علاقة لصيقة بذلك.
من جهة أخرى لا نخفي ونحن نحاول استقراء مختلف مناهج المستشرقين المعاصرين في دراسة علوم القرآن وتاريخه صعوبة استبانة طرائق المعالجة وآليات المنهج الموظف والمطروق؛ نظراً لتباين الخلفيات الفكرية التي ينطلق منها القوم، وكذا تنوع مداخل وطرق البحث المطبقة، ولهذا فإن الأمر يحتاج بالتأكيد إلى كثير من التنقيب والبحث واستعمال الحس النقدي الكفيل بمتابعة المستشرق في عمله خطوة بعد خطوة؛ من أجل الوقوف على معالم المنهج المتبع، ومواطن الخلل والضعف التي قد تطالها.
إن تناول المستشرقين لحقل القرآنيات شديد التعقيد والتداخل لا يمكن حصره وتصنيفه بيسر؛ لاختلاف مناهج المستشرقين وخلفياتهم الفكرية والثقافية التي ينطلقون منها في دراساتهم، وترجع صعوبة التصنيف أيضاً إلى تنوع مداخل وطرق تناول الموضوعات المرتبطة بالقرآن حسب تطبيقهم لها في الزمان والمكان.