إلى نفسه. ولأمكن أن يدعي به الألوهية فضلا عن النبوة. ولكان مقدسا في نظر الناس وهو إله أكثر من قداسته في نظرهم وهو نبي
ولما كان في حاجة إذا إلى أن يلتمس هذه القدسية الكاذبة بنسبته القرآن إلى غيره ﴿فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ ؟؟.
الجواب الرابع: أن هؤلاء الملاحدة غاب عنهم أنهم يتحدثون عن أكرم شخصية عرفها التاريخ طهرا ونبلا وذهلوا عن أنهم يمسون أسمى مقام اشتهر أمانة وصدقا. فكان ﷺ إذا مر بقومه يشيرون إليه بالبنان ويقولون: هذا هو الصادق الأمين. ثم صدروا عن رأيه ورضوا بحكمه. والعقل المنصف قال ولا يزال يقول: ما كان هذا الأمين الصدوق ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾.
الجواب الخامس: أن هذه الشبهة وليدة الغفلة عن مضامين القرآن العلمية وأنبائه الغيبية وهداياته الخارجة عن أفق العادة في كافة النواحي البشرية فردية كانت أو اجتماعية. لا سيما أن الآتي بهذا القرآن رجل أمي في أمة أمية كانت في أظلم عهود الجاهلية. أضف إلى ذلك ما سجل القرآن على النبي ﷺ من أخطاء في بعض اجتهاداته ومن عتاب نحس تارة بلطفه وأخرى بعنفه. ولو كان هذا التنزيل كلامه ما سمح أن يسجل على نفسه ذلك كله. ولكن الملاحدة سفهوا أنفسهم وزعموا رغم هذه البراهين اللائحة أن محمدا افترى القرآن على ربه. كذبوا وضلوا. ﴿مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
ذيل لهذه الشبهة: ويتصل بهذه الشبهة شبهة أخرى قد تعرض لبعض المأفونين. وهي أن هذا البعد الشاسع بين القرآن والحديث لم يجيء من ناحية أن القرآن كلام الله والحديث كلام محمد. إنما جاء من ناحية أن محمدا كان له ضربان من الكلام أحدهما يحتفل به كل احتفال ويعنى مزيد العناية بتهذيبه وتنميقه وتحضيره وذلك هو ما سماه بالقرآن ونسبه إلى الله. وثانيهما يرسله إرسالا غير معني بتحبيره وتحريره وهو المسمى بالحديث النبوي. ثم يقولون لترويج شبهتهم هذه:
إن ذلك ليس بدعا فيما نرى من آثار الأدباء والبلغاء بل نحن نلحظ أن الأديب الواحد يعلو كلامه الصادر عن تأمل وعناية وروية علوا كبيرا عن كلامه المرسل على البديهة حتى كأنهما لكاتبين اثنين بينهما بعد ما بين المشرقين.
والجواب الأول: أن هذه الشبهة الجديدة مبنية على قياس فاسد وهو تشبيه أدباء ذاك العصر الزاهر الذي نزل فيه القرآن وسلمت فيه السليقة العربية بأدباء هذا العصر المولدين الذين فسدت لغتهم وتبلبلت ألسنتهم. وشتان ما بين الطبقتين ويا بعد ما بين العصرين.
أيها المنكح الثريا سهيلا | عمرك الله كيف يلتقيان@ |