وكذلك قوله في المسألة الثامنة من آية الغنائم عند قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أنّما غَنِمْتُم مِن شَيءٍ فأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ..) الآية، قال: (( ( ما ) في قوله: ( ما غنمتم ) بمعنى الذي والهاء محذوفة، أي الذي غنمتموه، ودخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة، و( أنّ ) الثانية توكيد للأولى، ويجوز كسرها )) (١)
ومن الأمثلة أيضاً ما ذكره في آية الصيام في المسألة الثالثة عند قوله تعالى: (.. كَمَا كُتِبَ عَلى الَّذِين مِن قَبلِكُم ) قال: (( الكاف في موضع نصب على النعت، التقدير كتاباً كما، أو صوماً كما، أو على الحال من الصيام، أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم.
وقال بعض النحاة: الكاف في موضع رفع نعتاً للصيام، إذ ليس تعريفه بمحض، لمكان الإجمال الذي فيه بما فسرته الشريعة، فلذلك جاز نعته بـ ( كما ) إذ لا ينعت بها إلا النكرات، فهو بمنزلة كتب عليكم صيام، وقد ضعف هذا القول، و ( ما ) في موضع خفض، وصلتها ( كتب على الذين من قبلكم )، والضمير في ( كُتِب ) يعود على ( ما ) )) (٢)
٦) اهتمامه بالمسائل الأصوليّة.
إن المتأمّل لتفسير القرطبي يستطيع أن يُدرك أنه – رحمه الله – فقيه أصولي فهو يخرِّج بعض المسائل الفقهيّة على المسائل الأصوليّة، وقد ورد ذلك في مواضع من تفسيره :
فمن ذلك ما أورده في المسألة الثالثة في آية الوضوء عند الكلام على حكم غسل الوجه قال: (( وإذا تقرر هذا من حكم الوجه فلا بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديد، كما لا بد على القول بوجوب عموم الرأس من مسح جزء معه من الوجه لا يتقدّر، وهذا ينبني على أصل من أصول الفقه وهو: " أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مثله " )) (٣)

(١)... ٨/٨-٩.
(٢)... ٢/١٨٤.
(٣)... ٦/٥٧.
(٤)... انظر: ٦/٦٩-٧٠.


الصفحة التالية
Icon