ومن الأمثلة أيضاً ما ذكره في المسألة السابعة والعشرون من آية الوضوء عند قوله تعالى: (وإنّ كُنتم مَرْضَى أو عَلى سَفَرٍ أو جَاءَ أحدٌ مِنكم مِنَ الغَائط...) الآية قال: (( تقدّم في (النساء) مستوفى، ونزيد هنا مسألة أصولية أغفلناها هناك، وهي تخصيص العموم بالعادة الغالبة، فإن الغائطَ كناية عن الأحداث الخارجة من المخرجين كما بيناه في (النساء) فهو عام، غير أن جُل علمائنا خصّصوا ذلك بالأحداث المعتادة الخارجة على الوجه المعتاد، فلو خرج غير المعتاد كالحصى والدود، أو خرج المعتاد على وجه السلس والمرض لم يكن شيء من ذلك ناقضاً... إلى أن قال: وتتمته في كتب الأصول )) (١)
فهذا يدل على أن القرطبي – رحمه الله - يهتم بالمسائل الأصوليّة إلا أنه يؤْثر جانب الاختصار وعدم التطويل في ذكرها.
وبمناسبة الكلام على مسألة تخصيص العام فإن القرطبي – رحمه الله – يذكر عدداً من المخصِّصَات للعموم، فمن ذلك التخصيص بعُرف الشرع حيث قال في المسألة الأولى من آية الغنائم: (( واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: ( غَنِمْتُم مِن شيءٍ ) مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه؛ ولكنّ عُرْف الشرعِ قيّد اللفظ بهذا النوع، وسمى الشرعُ الواصلَ من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئا، فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، والفيء مأخوذ من فاء يفئ إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف )) (٢)
ومن ذلك اعتباره للتخصيص بالإجماع حيث قال في المسألة الثالثة من آية الغنائم: (( لم يختلف العلماء أن قوله: ( واعْلَموا أنمّا غَنِمْتُم مِن شيء ) ليس على عمومه، وأنه يدخله الخصوص، فمما خصصوه بإجماع أن قالوا: سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام )) (٣)
(٣)... ٨/٥.