وقد ذكر عن أبي العباس بن سريج من أصحاب الشافعي قوله: (( ليس الحديث (من قتل قتيلا فله سلبه) على عمومه، لإجماع العلماء على أنّ من قتل أسيراً أو امرأة أو شيخاً أنه ليس له سلب واحد منهم )) (١) وهذا مثال على تخصيص السنة بالإجماع.
٧) اهتمامه بصحة الأحاديث.
إن مما يُميّز منهج القرطبي – رحمه الله – في تفسير آيات الأحكام اهتمامه بالجانب الحديثي في المسائل إذا كان الدليل على المسألة حديثاً، فهو يجمع بين الفقه والحديث، وهذه ميزة مهمة؛ لأنّ بعض الفقهاء لا يلتفت إلى التحقق من صحة الحديث عند إيراده شاهداً على المسألة، وقد وقفت على بعض الأمثلة التي توضّح اهتمام القرطبي بهذا الجانب:
فمن ذلك ما أورده في المسألة السابعة من آيات الصيام عند الكلام على وجوب التتابع في صوم القضاء بعض الأحاديث في ذلك فقال: (( اختلف الناس في وجوب تتابعها على قولين ذكرهما الدارقطني في سننه، فروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات ) فسقطت (متتابعات ) قال: هذا إسناد صحيح.
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ - (من كان عليه صوم من رمضان فليَسْرده ولا يقطعه) في إسناده عبد الرحمن ابن إبراهيم ضعيف الحديث، وأسنده عن ابن عباس في قضاء رمضان ( صمه كيف شئت ) )) (٢)
ومن الأمثلة كذلك ما أورده في آيات الصيام أيضاً في المسألة العاشرة في حكم من أخّر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان الآخر، فقد ذكر خلاف العلماء في وجوب الكفارة ثم قال: (( قلت: قد جاء عن أبي هريرة مسنداً فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر قال: (( يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرط فيه ويطعم لكل يوم مسكينا )).
خرّجه الدارقطني وقال: إسناد صحيح.
(٢)... ٢/١٨٩.