كما بيّن طريقة تأليفه بقوله: ((.. بأن أكتب تعليقاً وجيزاً، يتضمن نكتاً من التفسير واللغات، والإعراب والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيهما، ومبيناً ما أشكل منهما، بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف )) (١)، وبهذا يتبيّن أن تفسير القرطبي يعتبر من التفسير بالمأثور الذي يفسر القرآن بالقرآن أو بالآثار الواردة عن النبي - ﷺ - أو عن السلف رحمهم الله. (٢)
وقد بيّن رحمه الله شرطه ومنهجه في تفسيره أوضح بيان، ولعلّي أُجمله في النقاط التالية: (٣)
١) إضافة الأقوال إلى قائليها والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.
٢) الإضراب عن كثير من قصص المفسرين وأخبار المؤرخين إلا ما لا بد منه، وما لا غنى عنه للتبيين.
٣) تبيين آيات الأحكام، بمسائل تُسفر عن معناها، وترشد الطالب إلى مقتضاها. (٤)
٤) إن لم تتضمن الآية حكماً ذكر ما فيها من التفسير والتأويل.
٥) ذكر أسباب النزول، والقراءات، والإعراب، وبيان الغريب من الألفاظ، مع الاستشهاد بأشعار العرب.
والذي يقرأ تفسير القرطبي يجد أنه قد التزم بما شرطه، وخطه من منهج في الغالب، فهو يعرِض لأسباب النزول، والغريب من الألفاظ، ويحتكم إلى اللغة كثيراً، ويرد على الفِرق كالمعتزلة، والقدريّة، والروافض، والفلاسفة، كما كان ينقل عن كثير ممن تقدمه في التفسير، خصوصاً من ألّف منهم في كتب الأحكام كابن جرير الطبري، وابن عطية، وابن العربي، وأبو بكر الجصاص. (٥)
(٢)... انظر: القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير د/مفتاح السنوسي ص ٢٢٧.
(٣)... انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/٦-٧
(٤)... سيأتي بيان ذلك في المبحث الثالث بإذن الله.
(٥)... انظر: التفسير والمفسرون د/محمد الذهبي ٢/٣٣٧-٣٣٨.