٢) مراعاة الدليل وعدم التعصب للمذهب.
وهذا الأمر مما يميز الإمام القرطبي - رحمه الله – ولعلّ هذا – والله أعلم - مما زاد من قيمة هذا التفسير المبارك، فيُلاحَظ عند ذكره لمسائل الخلاف بين الأئمة لا يتعصب لمذهبه المالكي بل يتجرد مع الدليل حتى يصل إلى ما يراه أنه الحق، وهذا كثير واضح في تفسيره. (١)
ومن أمثلته ما ذكره في آيات الصيام عند قوله تعالى ( ولِتُكْمِلوا العِدَّةَ..) في المسألة السابعة عشرة في حكم صلاة عيد الفطر في اليوم الثاني، مع نقله عن ابن عبد البر أنه لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه لا تصلى صلاة العيد في غير يوم العيد ولا في يوم العيد بعد الزوال، وحجتهم في ذلك أن صلاة العيد لو قضيت بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض، وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى، فهذه مثلها. (٢)
لكنه قال: (( قلت: والقول بالخروج إن شاء الله أصح، للسنة الثابتة في ذلك، ولا يمتنع أن يستثني الشارع من السنن ما شاء فيأمر بقضائه بعد خروج وقته، وقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - :(من لم يصلِّ ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس) (٣) ) (٤)
ومن أمثلة ذلك أيضاً مسألة تقديم الحلق على الذبح في يوم النحر، فقد وضّح أن ظاهر المذهب المنع من تقديم الحلق على الذبح إن كان عامداً قاصداً، ثم قال: والصحيح الجواز، لحديث ابن عباس أن النبي - ﷺ - قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: (لا حرج). (٥) (٦)
(٣)... أبواب الصلاة باب ما جاء في إعادتهما (ركعتي الفجر) بعد طلوع الشمس ( ٤٢١ ).
(٤)... ٢/٢٠٤.
(٥)... رواه البخاري ( ١٧٣٤ ) كتاب الحج باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسياً أو جاهلاً، ومسلم ( ١٣٠٧ ) كتاب الحج باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي.
(٦)... انظر: ٢/٢٥٤.