ومن الأمثلة مخالفته لمذهب الإمام مالك في تقسيم القتل إلى عمْدٍ وخطأ في آية القتل حيث ذكر رأي الجمهور في التقسيم إلى عمد، وشِبه عمد، وخطأ. قال: (( قلت: وهو الصحيح، فإن الدماء أحق ما احتيط لها إذ الأصل صيانتها في أُهُبِها (١)، فلا تستباح إلا بأمر بين لا إشكال فيه، وهذا فيه إشكال، لأنه لما كان مترددا بين العمد والخطأ حكم له بشبه العمد )) (٢)
وكذلك من الأمثلة ترجيحه أن النبي - ﷺ - حج قارناً لما في صحيح مسلم عن بكر عن أنس قال: (سمعت النبي - ﷺ - يُلبِّي بالحج والعمرة معا)، (٣) مع أن مذهب الإمام مالك أن رسول الله - ﷺ - حج مفرِداً، والإفراد أفضل. (٤)
فمما تقدّم يتضّح وبجلاء أن القرطبي – رحمه الله – يدور مع الدليل حيث دار فإذا كان الدليل يؤيّد غير ما رجّحه الإمام مالك أخذ به، وهذا من سعة الأفق، ولا غرابة في ذلك فإن القرطبي لم يتعصّب للمذهب حتى في طلبه للعلم، فقد تلقّى العلم عن بعض مشايخ الشافعيّة كما ذكر في المسألة السادسة في آية الغنائم في أن السلب لا يُعطى للقاتل إلا أن يقيم البيّنة على قتله، قال: قلت: سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم يقول: إنما أعطاه النبي - ﷺ - أي أبا قتادة - السلب بشهادة الأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس. (٥)
٣) تحقيق مذهب المالكيّة.
مما يتميّز به القرطبي كذلك في تفسيره التحقيق التام للمذهب المالكي حيث يذكر روايات الإمام مالك في المسألة، وقول أئمة المذهب، ومن وافق، ومن خالف، وذلك في كثير من المسائل، ومع ذلك قد يرجح بين هذه الأقوال، والأمثلة في ذلك كثيرة:
(٢)... ٥/٢١٢.
(٨)... ( ١٢٣٢ ) كتاب الحج باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة.
(٩)... انظر: ٢/٢٥٨-٢٥٩.
(٥)... ٨/٨.