فمنها أنه لما ذكر قَدر السفر الذي يترخّص فيه المسافر بالرّخص في آية الصيام قال: (( واختلف العلماء في قدر ذلك، فقال مالك: يوم وليلة، ثم رجع فقال: ثمانية وأربعون ميلاً، قال ابن خوَيزمَنْداد: وهو ظاهر مذهبه، وقال مرّة: اثنان وأربعون ميلا، وقال مرة ستة وثلاثون ميلاً، وقال مرة: مسيرة يومٍ وليلة، وروي عنه يومان، وهو قول الشافعي، وفصّل مرة بين البر والبحر، فقال في البحر مسيرة يوم وليلة، وفي البر ثمانية وأربعون ميلا، وفي المذهب ثلاثون ميلاً، وفي غير المذهب ثلاثة أميال )) (١)
وكذلك من الأمثلة مسألة دخول المرافق في الغسل في آية الوضوء حيث قال في المسألة السادسة: (( فقال قوم: نعم، وقيل: لا يدخل المرفقان في الغسل، والروايتان مرويّتان عن مالك، الثانية لأشهب، والأولى عليها أكثر العلماء وهو الصحيح )) (٢)
ومن الأمثلة أيضاً ما ذكره في آية الإحصار في الحج في المسألة الأولى عند تعيين المانع في الإحصار
حيث أورد قول ابن العربي أن المانع هو العدوّ خاصة ثم قال ابن العربي: وهو اختيار علمائنا، فقال القرطبي: (( قلت: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا وقالوا: الإحصار إنما هو المرض، وأما العدو فإنما يقال فيه: حصر حصراً فهو محصور، قاله الباجي في المنتقى )) (٣)
٤) ذكر الشواهد من أقوال العرب وأشعارهم
ومن منهج القرطبي رحمه الله في تفسيره لآيات الأحكام ذكر الشواهد على بعض المسائل من أقوال العرب وأشعارهم، (٤) حيث يجعل لغة العرب هي الفيصل في الحكم، وذلك ليقينه أن القرآن نزل بلغة العرب وبما يعرفونه من ألفاظ.
(٢)... ٦/٥٨.
(٤)... ٢/٢٤٧
(٤)... انظر: كتاب الشواهد الشعرية في تفسير القرطبي للدكتور عبد العال مكرم، وكتاب أبو عبد الله القرطبي وجهوده في النحو واللغة في كتابه الجامع لأحكام القرآن د/عبد القادر رحيم الهيتي ص٥١.