ومن أمثلة ذلك ما ذكره من الخلاف في توجيه قراءة ( وأرجلِكُم ) بالخفض في آية الوضوء في المسألة الثالث عشرة حيث قال: (( فإذا ثبت بالنقل عن العرب أن المسح يكون بمعنى الغسل فتَرجَّحَ قولُ من قال: إن المراد بقراءة الخفض الغسل.
وقال: والعامل في قوله ( وأرجلكم ) قولُه: ( فاغسلوا ) والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما تقول: أكلت الخبزَ واللبن أي وشربت اللبن، ومنه قول الشاعر: علفتُها تبناً وماءً بارداً، وقال آخر:
ورأيتُ زوجَك في الوغى متقلِّداً سيفاً ورُمْحاً
التقدير: علفتها تبناً وسقيتها ماءً، ومتقلداً سيفاً وحاملاً رمحاً )) (١)
وكذلك من الأمثلة ما أورده في آية الإحصار في الحج في المسألة الأولى في الفرق بين كلمتي (حُصِر) و ( وأُحصِر ) قال: (( قلت: فالأكثر من أهل اللغة على أن ( حصر ) في العدو، و ( أحصر ) في المرض، وقد قيل ذلك في قول الله تعالى: ( لِلفُقَراءِ الَّذينَ أُحْصِرُوا في سَبيلِ اللهِ )، وقال ابن ميّادة:
وما هجرُ ليلى أن تكون تباعدَتْ عليك ولا أنْ أحصرَتْك شُغولُ
وقال الزجاج: الإحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض، فأما من العدو فلا يقال فيه إلا حُصر)) (٢) ولعلّ مما يُلحق باهتمام القرطبي بأقوال العرب وأشعارهم المسألة الآتية وهي النقطة الخامسة.
٥) اهتمامه بالإعراب.
فهو رحمه الله كثيراً ما يذكر موقع الكلمة من الإعراب، وخصوصاً ما له علاقة بفهم المقصود من الآية، وهذا الأمر أكثر من أن يُحصر.
مثال ذلك قوله في آية الإحصار في الحج في المسألة الحادية عشرة عند قوله تعالى: (... فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الهَدْي ) قال: (( ( ما ) في موضع رفع، أي فالواجب أو فعليكم ما استيسر، ويحتمل أن يكون في موضع نصب، أي فانحروا أو فاهدوا )) (٣)
(٢)... ٢/٢٤٨.
(٤)... ٢/٢٥١.