وكتاب: (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) للمستشرق هاملتون جب الذي يعدّه كاتبه أنموذج الدراسة الاستشراقية التي قدمها للمسلمين، هو في أصله عدد من محاضرات مؤسسة هاسكل الأمريكية لدراسة الأديان المقارنة، تلك المحاضرات التي كانت تُلقى في جامعة شيكاغو كل سنتين. ومحاضرات هاسكل تعالج وجهاً معيناً في ديانة معينة، أو تعالج العلاقات التي يمكن أن توحد بين الديانات المختلفة، وقد شارك جب فيها وضمنها كتابه المذكور، ولكي ينجح جب في إيصال رسالته وفكره عن التجديد في الإسلام والنهضة، فقد عمد إلى عقد مقارنة بين الإسلام والنصرانية حتى يسوغ للقارئ المسلم فضلاً عن القارئ النصراني أن يفكر فيما كانت عليه أحوال النصرانية وتسلط رجال الدين على الناس، الأمر الذي تسبب في تخلف الغرب حتى قيام الثورات الفكرية والسياسية والصناعية في أوروبا، وتلك مرحلة يعيشها الإسلام والمسلمون في الوقت الراهن بحسب زعمه، وقد استخدم جب عبارات منفرة في معالجته للموضوع، فقال: ((ولا شك أن نظرتي إلى الإسلام نقيض ذلك، فالكنيسة الإسلامية وأعضاؤها يشكلون معاً مزيجاً متشابهاً يتكون كل عنصر فيه ويتفاعل مع الآخر، ما دام الإسلام نظاماً حياً وما دامت مبادئه تلبي حاجة الوعي الديني لدى معتنقيه. ورغم أني أُولي أهمية كبرى للعنصر التاريخي في التفكير الإسلامي وفي التجربة النصرانية، فإن كلاً من هذه التجربة وهذا التفكير يبدو لي أيضاً كنظام متطور يغير من زمان لآخر محتوى رمزيته، ولا سيما أن هذا التغير مختبئ وراء جمود هياكله الخارجية كما هي الحال في النصرانية على درجة كبيرة))(١).

(١) السير هاملتون جب، الاتجاهات الحديثة في الإسلام، ص٢٢.


الصفحة التالية
Icon