بعد هذه المقارنة التي تحمل في طياتها ما تحمل من نيات غير سليمة أكد فيها جب جمود الفكر الديني في النصرانية وهو الحال الذي يراه في الإسلام حالياً، وحينها ينطلق جب بالنقد للمصادر الأساسية للتشريع الإسلامي (القرآن، السنة، الإجماع، الاجتهاد) ليثبت جمودها، وأن تمسك المسلمين بها لا يساعد على التجديد والنهضة ومسايرة الشعوب وحضارات الأمم، فبدأ جب بالتشكيك في القرآن الكريم كما هي عادة معظم المستشرقين فقال: ((إن قاعدة التفكير الإسلامي هو القرآن بالطبع، والقرآن بخلاف الإنجيل ليس مجموعة من الكتب تعود إلى تواريخ مختلفة اشتركت فيها أيدٍ عديدة متنوعة، بل هو مجموعة من الخطب ألقاها محمد طوال العشرين سنة الأخيرة من حياته، وهي في أكثرها عبارة عن تعاليم دينية أو أخلاقية، أو براهين ساقها ضد خصومه، أو تعليقات على حوادث العصر، إضافة إلى بعض التعليمات على الصعيدين الاجتماعي والقانوني، وكان محمد نفسه يعتقد أن جميع تلك الأقوال موحى بها؛ لأنها لا تعود في شكلها إلى عقله الظاهر. وهكذا اعتبر محمد تلك الأقوال، وتبعه في ذلك جميع مسلمي عصره والعصور اللاحقة، على أنها كلمة الله المباشرة تلاها على محمد الملك جبرائيل. وليس من الضروري بعد التحليلات التي قام بها البروفيسور (دانكان بلاك ماكدونالد) عن الاستعداد الطبيعي لدى الساميين لتقبل تلك الفكرة؛ نظراً لأن فكرة العالم غير المنظور شائعة لديهم وأن لهم مفهوماً خاصاً عن النبوة، وليس من الضروري بعد ذلك أن نسهب في هذا الموضوع))(١).

(١) المرجع السابق، ص٢٧-٢٨.


الصفحة التالية
Icon