والدعوى بأن القرآن الكريم يعتمد في أسلوبه على سحر قوة الشعر في أسلوب النثر للأخذ بقلوب الناس وعقولهم فذاك محض هذيان، وكما قال محمد عبد الله دراز عن أسلوب القرآن ونصوصه: ((الألفاظ ينظر فيها تارةً من حيث هي أبنية صوتية مادتها الحروف وصورتها الحركات والسكنات، من غير نظر إلى دلالتها. وهذه الناحية قد مضى القول لنا فيها آنفاً، وتارةً من حيث هي أداة لتصوير المعاني ونقلها من نفس المتكلم إلى نفس المخاطب بها، أما النظر في المعاني القرآنية من جهة وما فيها من العلوم العجيبة فتلك خطوة أخرى، إذ الفضيلة البيانية إنما تعتمد دقة التصوير وإجادة التعبير عن المعنى كما هو))(١)، يقول المستشرق الفرنسي بلاشير الذي ترجم القرآن إلى الفرنسية أكثر من مرة: ((في جميع المجالات التي أشرنا إليها من علم قواعد اللغة العربية والمعجمية وعلم البيان أثارت الواقعة القرآنية وغذَّت نشاطات علمية هي أقرب إلى حالة حضارية منها إلى المتطلبات التي فرضها إلى إخراج الشريعة الإسلامية، ولا تكون فاعليتها هنا فاعلية عنصر منبه فقط، بل فاعلية عنصر مبدع تتوطَّد قوته بنوعيته الذاتية))(٢)، أما الزعم بأن محمداً النبي ﷺ ادعى عقيدة التوحيد، وأن إبراهيم عليه السلام جاء بها من قبله، وفي ذلك مخالفة لاعتقاد اليهود والنصارى، وكذلك الادعاء بأن القرآن الكريم يعطي فسحة للمسلمين للإشادة بالأوثان والأصنام، تلك الأقوال كلها باطلة، ولا يخفى هذا على غير المسلمين إضافة إلى عن المسلمين. يقول الكاتب البريطاني توماس آرنولد: ((يعبر الشطر الأول من هذه العقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) عن مبدأ يكاد

(١) محمد عبد الله دراز، النبأ العظيم: نظرات جديدة في القرآن، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، ١٤٠٥ه-١٩٨٥م، ص١٠٦-١٠٧.
(٢) ريجيس بلاشير، القرآن: نزوله، تدوينه، ترجمته وتأثيره، ترجمة رضا سعادة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ١٩٧٤م، ص١٠٤.


الصفحة التالية
Icon